قصة نجاح : سيف الدين العباسي التونسي الذي لمع نجمه في سماء بولندا في ميدان لم يكن مألوفا
عندما يتعلّق الأمر بتحقيق الحلم فإن المستحيل يصبح بلا معنى … فلا حواجز اللغة ولا البعد الجغرافي ولا قسوة الغربة يمكن أن تكون عائقا أمام تحقيق ما يصبو له الإنسان من أحلام .
هذا تقريبا حال الشاب التونسي سيف الدين العباسي أصيل مدينة حمام الأنف الذي واجه تحديات من الحجم الثقيل من أجل تحقيق هدف محدد وهو أن ينحت لنفسه اسما وأن يفرض نفسه في بلد ليس بلده وهو بولندا في مجال تصوّر البيانات والتصميم .
واليوم فإن عمليات التزويق التي يضع تصوّرها التونسي سيف الدين العباسي تغيّر الفضاءات المنسيّة بعد حلول الليل وتضحك الناس من مختلف أنحاء العالم وتسعدهم .
يقيم سيف الدين العباسي المولود بالضاحية الجنوبية حمام الأنف ( 30عاما ) منذ 8 سنوات في بولندا وهو يتقن جيّدا اللغة البولندية . ومنذ أن كان تلميذا لم يكن سيف الدين يخفي حبّه لمجال تصوّر البيانات والتصميم . وحتّى يستطيع أن يوفّر لنفسه آفاقا أرحب وأوسع قرر أن يواصل دراسته بالخارج وقد كان الاختيار تحديدا على بولندا .
وبعد دراسات في التصميم الصناعي بإحدى جامعة العاصمة ” فرصوفيا ” تمكّن سيف الدين من الحصول على عمل في صناعة لم تكن مألوفة إذ أصبح مصمّم ديكورات مضيئة مذهلة.
وبمناسبة الحفلات المختلفة برهن الشاب التونسي ابن حمام الأنف وبالتعاون مع مصممي شركة “Multidekor ” على أنه يملك الموهبة من خلال تزويق مدن بأكملها وكذلك مراكز تجارية أو أيضا أحسن النزل .
شغف مشترك
بعد ثلاث سنوات من العمل والمثابرة ،نجح رفقة مصممين آخرين من نفس الشركة في تطويرديكورات مضيئة بأشكال هندسية ضئيلة الحجم في مراكز تجارية مشهورة على غرار أكبر مركز تجاري في فرنسا “La Part-Dieu ” بمدينة ليون . وبمناسبة الاحتفالات الوطنية وضع سيف الدين والمجموعة التي معه تصورات كلاسيكيّة تحمل محاور معيّنة أو ديكورات فريدة ومبتكرة لرمضان من خلال خلق حلول تتلاءم مع ظروف الهندسة المعمارية والثقافية لفضاء معيّن .
ولعلّ السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو : ما الذي ميّز هذا الشاب التونسي ؟. أما الإجابة فتأتينا من قبل “GrzegorzPodogrocki ” رئيس شركة “Multidekor ” الذي قال : ” إنه يتمتّع بنظرة جديدة في عالم التصميم . وهو يفهم جيّدا حيثيات الفضاء الثقافي الأوروبي ومناطق الشرق الأوسط ويتمتّع بقدرة كبيرة على التنقّل بحريّة من أجل وضع تصوّر لعناصر ذات جودة عالية في تصوّر الإضاءات “.
وأضاف رئيس الشركة : ” إن المعارف التي اكتسبها ودعّمها بتجاربنا تسمح لنا بخلق حلول أصيلة وعلى المقاس تتلاءم جيّدا مع أسواق ذات متطلبات صارمة في الشرق الأوسط .
مشاريع لتونس
بحكم اهتمامها بالسوق التونسية أعدّت الشركة مجموعة أصيلة من الديكورات التي تسمح بفضل حيويّة الأشكال والدلالات التقليدية وتكنولوجيات الإضاءة الحديثة بإعادة إحياء الأجواء الاحتفالية الحقيقية لشهر رمضان بطريقة جديدة جدّا دون أن ننسى الأضواء وأشغال النقش الخفيفة التي تعطي خاصيّة رقيقة لاحتفالات الزواج .
وفي هذا الإطار قال سيف الدين :” إني سعيد جدّا ببلوغ هدفي الذي سطّرته ولأني وصلت إلى ما أنا عليه اليوم . وأنا أعتبر أن تصميم الديكورات التي تلعب فيها الأضواء دورا أساسيا مهنة جذابة جدا . أنا أحب أن أرى ردود الفعل لدى الناس الذين يعطون قيمة لديكوراتنا . وهم يجدون متعة في العناصر الفردية ويلتقطون الكثير من الصور التي تنشر في ما بعد على شبكات التواصل الاجتماعي . وفي النهاية فإن فرحهم وابتساماتهم تعطيني الفرحة بدوري وتعطيني الإحساس بالقناعة والرضاء “.
ولعلّ الحلم الأهم لسيف الدين والذي يتمنى أن يكون حقيقة في أقرب وقت ممكن وهو أن يرى التونسيون مباشرة الإنجازات التي قام بها في بولندا وخاصة أقاربه والمقرّبين منه .
ولم تمرّ إنجازات الشاب سيف الدين في الخفاء دون أن تترك أثرا إيجابيا حيثما حلّ . وقد عبّر له سعادة سفير تونس ببولندا الصغيّر الفطناسي عن فخره بمواطنه الشاب وبكل ما أنجز في بولندا .
ويضيف السفير التونسي السياق قائلا : ” أنا مقيم بفرصوفيا منذ ثلاث سنوات . وكل عام يزداد عشقي للإضاءات الشتوية للعاصمة البولندية . وقد سمحت لي الفرصة أيضا بزيارة الحديقة السحرية بقصر “Wilanów” التي تعطي انطباعا رائعا ومذهلا . وإني في قمة السعادة لأن شابا تونسيا تمكّن من المساهمة في خلق هذا المعرض الخارق للعادة الذي يجلب أفواجا كبيرة وكثيرة من السياح البولنديين والأجانب .”
وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الشاب الواعي بالنقص الفادح في الديكورات الضوئيةفي بلادنا يحلم بوضع خبرته في خدمة موطنه . ولا شكّ أن نجاح سيف الدين العباسي لم يمرّ دون أن يلفت انتباه وسائل الإعلام البولندية التي خصصت له مقالات طالما أن إنجازاته أبهرت عددا من البولنديين المغرمين بالديكورات المضيئة .
” Multidekor ” واحدة من روّاد القطاع
تعتبر شركة “Multidekor ” واحدة من روّاد القطاع وهي تصمم وتصنع ديكورات ضوئية واحتفالية منذ أكثر من عقدين من الزمن . وفي الوقت الحالي أنجزت الشركة أكثر من ألف مشروع في مدن وبناءات تجارية في أوروبا وفي العالم ومنها على سبيل المثال ليون وبرلين ولندن وموسكو وبلغراد والإمارات العربية المتحدة … والقائمة طويلة .
وتحظى الطريقة التي يتصور بها مصممو Multidekor دور الضوء في الفضاءبتقدير كبير في المسابقات الدولية المختلفة . ففي سنة 2018 فازت الشركة بجائزة المسابقة الدولية المرموقة “Contest of Festive, Event and Environmental Design ” التي انتظمت بمدينة موسكو التي تعتبر العاصمة الأوروبية للإضاءة .
ولم تترك التصوّرات الأصلية للشركة وكيفية تحويل الفضاء بواسطة الإضاءات وسائل الإعلام الدولية على حيادها أو دون أن تلفت انتباهها .وعلى سبيل المثال فقد انبهرت “ناشيونال جيوغرافيك” من ” الكرملين الخفيف ” الموجود برواق “Evropeyski ” بموسكو . ومن جهتها ثمّنت صحيفة ” لوفيغارو ” سنة 2013 الإضاءات المنجزة في احتفالات ” نوال ” بمدينة فرصوفيا وهي إضاءات تنجزها الشركة منذ سنوات عديدة . وبفضل “Multidekor ” تمكنت فرصوفيا من احتجاز مكان لها بين أجمل المدن إضاءة وديكورا في العالم .
وفي عام 2018 لم يسأل “Deutsche Welle” عندما استحضر ديكور الشتاء في العاصمة البولندية إلى جانب إضاءة شارع أكسفورد في لندن أو الشانزليزيه في باريس.
ومن جهة أخرى هناك مكان آخر أصبح مرجعا شتويّا لمدينة فرصوفيا وهو ” الحديقة الملكيّة للأضواء ” التي تقع بمتحف قصر “Wilanów ” . ويتألف المكان من مليون فانوس مقتصد للطاقة وهو يجلب منذ إنشائه أكثر من مليون زائر.