رغم الصعوبات والتحوّلات : الخطوط التونسية رمز وطني ومحرّك أساسي للإقتصاد
لم يكن بعث شركة طيران وطنية مع نهاية النصف الأول من القرن العشرين أمرا عبثيا فقد اعتبرته الدّول المتقدّمة أحد أولوياتها واتخذته عنوانا لسيادتها منذ ابرام معاهدة شيكاغو سنة 1944 والتي تأسست بمقتضاها المنظمة العالمية للطيران المدني.
وبعد 3 سنوات فقط من هذا التاريخ، وتحديدا في سنة 1948 ، تم تأسيس الخطوط التونسية، التي نافست نظيراتها العالمية بريادتها في الإنخراط في هذا النظام الجوي كرمز وطني وعنوان سيادة تعزّز حضورها الدّولي بعد الإستقلال ودورها الأساسي والحيوي في إعلاء راية تونس بين الأمم وتأمين خدمات عمومية لمختلف الفئات .
سبعون سنة تمر اليوم على نشأة الخطوط التونسية، ورغم التحوّلات العميقة التي شهدها النقل الجوي العالمي والأزمات التي هزّت هذا القطاع على مرّ هذه العقود فإن الناقلة الوطنية ما تزال صامدة ومستمرة في العطاء.
ومع الخيارات الإستراتيجية التي اعتمدتها الجمهورية التونسية تاريخيا، وتحديدا منذ ستينيات القرن الماضي، التي جعلت من السياحة قطاعا رئيسيا لتنمية الإقتصاد، نزلت الخطوط التونسية بكامل ثقلها لتكون عاملا أساسيا للنهوض بهذا القطاع، وذلك عن طريق استكشاف الأسواق الموفدة للسياح، تحديدا الأوروبية، عبر فتح خطوط مباشرة.
120 مليون مسافر على متن الخطوط التونسية منذ نشأتها سنة 1948
منذ انبعاثها، تولّت الناقلة الوطنية، التي امتدت خطوطها إلى القارات الأربع ، أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا الشمالية، تأمين نقل 120 مليون مسافر منهم 80 مليون سائح أجنبي تم إيواؤهم بالنزل و40 مليون بين مقيمين بالخارج وتلاميذ وطلبة تونسيين ورجال أعمال ومستثمرين، علما أنّ الناقلة الوطنية تبرمج يوميا 85 رحلة باتجاه 47 وجهة عالمية .
وبقدر ما تعتز الخطوط التونسية بمكاسبها التاريخية، فإنّ ما تحقّق لا يمكن أن يحجب الصعوبات العملياتية والمالية التي تواجهها الشركة منذ سنة 2010 والتي خلفت أضرارا عميقة سواء جرّاء التغيّرات التي طرأت على الوضع الإقتصادي العالمي وانعكاساته على اقتصادنا الوطني ( من ذلك الهبوط الحاد لعدد السياح الوافدين وتحديدا خسارة السوق الليبية) أو نتيجة المشاكل الهيكلية التي تعاني منها الشركة.
سلامة المسافرين أولوية الأولويات
أبدى القائمون على الشركة وعيا تاما بحساسية الوضع الذي تم تشخيصه والنقائص التي تم رصدها، والمضي في إيجاد الإصلاحات الضامنة لديمومة المؤسسة وتطورها والمتمثلة في وضع مخطط تأهيل وإصلاح 2017-2020 يقوم أساسا على التخفيض في الكلفة ودعم الأسطول وتحسين المنتوج والخدمات والمرتبط، من حيث إشكالية انتظام توقيت الرحلات، بالوضعية الحالية للأسطول التي دفعت بالشركة إلى تسويغ طائرات لإنجاح الموسم الصيفي، في انتظار اقتناء 6 طائرات جديدة من نوع A320 NEO خلال الفترة 2019-2021 .
لقد وضع موسم 2018 الخطوط التونسية امام اختبار صعب خاصة أن هذا الموسم قد سجّل نجاحا للوجهة التونسية على الصعيد السياحي فضلا عن تكفّل الناقلة الوطنية بتأمين تنقل المنتخب الوطني والجماهير الرياضية إلى روسيا بمناسبة كأس العالم وبقية الوفود الرياضية وضيوف تونس المشاركين في المهرجانات الدولية، إلى جانب عودة التونسيين بالخارج إلى أرض الوطن وموسم الحج، الأمر الذي استدعى ضرورة اجتياز الناقلة الوطنية لهذا الإختبار بكل اقتدار من خلال الإيفاء بالتزاماتها تجاه وكالات الأسفار سواء على مستوى الرحلات المنتظمة أو غير المنتظمة وتنفيذ جميع البرنامج بنجاح واستيعاب الطلب المتزايد على الخطوط التونسية بالإمكانيات المتوفرة.
ورغم الصعوبات، تواصل الخطوط التونسية القيام بدورها الإجتماعي والإقتصادي المنوط بعهدتها كناقلة وطنية تضع في سلّم أولوياتها سلامة المسافرين كشرط أساسي لا محيد عنه حتى وإن كلّفها حدوث تأخيرات جراء محدودية الأسطول وحالات الأعطاب الفنية من جهة و الإكتظاظ الذي يعيشه مطار تونس قرطاج والمطارات الأوروبية من جهة أخرى.
وقد توفّقت الشركة منذ سنة 2017 في تسجيل نتائج مرضية على مستوى الحركة التجارية للشركة وإيراداتها، وهو ما تؤكّده المؤشرات المسجلة خلال السنة الجارية، مع الحرص على تلافي جميع النقائص والتطلّع إلى آفاق جديدة واعدة مع ضرورة التحلّي باليقظة، والإرادة القوية لمواصلة تنفيذ برامج الإصلاح معوّلة في ذلك على التزام مواردها البشرية ودعم الدولة والسلم الإجتماعية وتفهّم المسافرين للصعوبات الخارجة عن نطاق الشركة.
وتظلّ الخطوط التونسية رمزا وطنيا ومحرّكا أساسيا للإقتصاد الوطني ومؤسسة وطنية في خدمة المصالح الإستراتيجية للدولة تتجاوز أهدافها مجرّد الربح المادّي لتحقق تطوّرا يتماشى والتوجهات الإقتصادية لبلادنا في هذه المرحلة.
وتبقى الناقلة الوطنية منفتحة على كل المقترحات والملاحظات الهادفة إلى تحسين الخدمات والإرتقاء بالأداء وتدارك جميع النقائص لما فيه خير قطاع النقل الجوي الوطني وراحة المسافرين وكسب ثقتهم ورضاهم.